أنت هنا

مروى شابة تبلغ من العمر  22 ربيعا وتعيش في  محافظة الحديدة في اليمن. وقد تزوجت في سن السابعة عشر و بعد فترة وجيزة من زفافها أصبحت حاملا.  "كان عمري 17 عامًا تقريبًا. كنت سعيدة بحياتي الجديدة، كنت لا زلت عروسًا عندما حملت. اعتقدت أن الحياة كانت تبتسم لي. " بعد مخاض طويل ومتعسر، أنجبت مروى طفلها الأول في المنزل. بعد أسابيع قليلة من الولادة ، لاحظت شيئًا غريبًا و صادما.

 تروي لصندوق الأمم المتحدة للسكان:"أصبت بإسهال مفاجئ لكن ما صدمني ان الفضلات كانت تخرج من قناة الولادة. بدأت أسأل نفسي كيف و لماذا حدث ذلك؟ لم أستطع فهم ما يحدث لي". لقد اكتشفت مروى أنها مصابة بالناسور الولادي – و هي فتحة بين قناة الولادة والمثانة و / أو المستقيم ، ناتجة عن ولادة متعسرة لفترات طويلة بدون تدخل طبي عاجل في الوقت المناسب. لقد كانت تجربة صادمة للغاية  صدمت مروى مرتين. الأولى عند إصابتها بمرض لم تسمع عنه والثانية قبل أن تكمل شهرها الأول بعد الولادة حين تخلى عنها زوجها وطلقها وهي في أضعف لحظات حياتها وقمة احتياجها له.

"أخبرني أنه لم يعد يرغب بالحياة والعيش معي لانني اصبحت (مخربة) على حد وصفه. "  بعد طلاقها ، لجأت مروى الى عائلتها لكنهم لم يتمكنوا من تقديم الكثير من المساعدة. فأسرتها تعاني من نفس المصير الذي تعانيه ملايين العائلات الأخرى في جميع أنحاء البلاد. حيث حول النزاع المستمر اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

تضيف مروى: "قالوا لي أن أكون صبورة وأقبل مصيري ، ولم يستطيعوا إجباره على العيش معي مرة أخرى. قيل لي أن حياتي قد انتهت."

خلال المقابلة ، بكت مروى دون توقف وأحتضنت رضيعها لتهدئة ألمها و حسرتها. وأوضحت كيف توصلت للتعايش مع مشكلتها  "تخليه عني دمرني. شعرت بالأسف الشديد على نفسي وشبابي ورضيعي الذي سيكبر بلا أب. شعرت أن حياتي كلها قد انتزعت مني. سألت نفسي مرارا، ماذا فعلت لأستحق هذا المصير؟ "

بدأت مروى في البحث عن علاج وزارت العديد من المستشفيات دون جدوى. " طرقت أبواباً كثيرة. و أنفقت الكثير من المال على المستشفيات والأدوية التي وصفوها لي لكن حالتي لم تتحسن".

استسلمت مروى لناسور الولادة ولفكرة أن العلاج غير ممكن. وبدأت تفقد الأمل في إيجاد علاج. لكن هذا تغير عندما ذهبت إلى قابلة في منطقتها لطلب المشورة بشأن كيفية التأقلم مع حالتها والتعايش معها. "لقد كانت الملاذ الأخير وأملي الوحيد."

لحسن الحظ القابلة نعمة في قرية مروى كانت من ضمن القابلات التي تعمل بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان و التي تم تدريبها على برنامج الرعاية المجتمعية والدي كان يقوم بتدريب القابلات على الكشف عن ناسور الولادة والتخفيف من نسبة الاصابة به بالرعاية والخدمة الجيدة من قبل القابلات للأمهات أثناء الحمل والولادة.

 

عدد حالات النواسير الولادية في إزدياد في اليمن في ظل خمس سنوات من الصراع أوصلت النظام الصحي إلى حافة الانهيار، مع عدد قليل من القابلات المدربات ، ومستويات سوء التغذية آخذة في الارتفاع  خاصة بين النساء الحوامل، وإرتفاع معدلات مثيرة للقلق من زواج الأطفال كوسيلة للتعامل مع المصاعب الاقتصادية الناجمة عن الصراع و الذي بدوره يساهم في زيادة حالات الناسور الولادي.

ودعم صندوق الأمم المتحدة للسكان إنشاء ثلاث وحدات نواسير ولادية في جميع أنحاء البلد. وتم بنجاح علاج أكثر من 100 عملية جراحية للناسور مجانًا بين عامي 2018 و 2019 . كما يساعد صندوق الأمم المتحدة للسكان على بناء مهارات العاملين الصحيين في علاج النواسير الولادية بالتدريب. وبالإضافة إلى ذلك ، أنشأ صندوق الأمم المتحدة للسكان وعزز شبكة بين المتطوعين المجتمعيين والقابلات وخبراء الصحة الإنجابية والناسور في جميع أنحاء اليمن لمساعدة النساء اللواتي يعانين من الناسور على الحصول على الخدمات التي يحتجن إليها ، بما في ذلك توفير النقل المجاني للمريضات من المناطق الريفية.

قابلة تنقذ الموقف

كانت القابلة نعمة ، تعرف من خلال التدريب آلية الدعم القائمة التي يمولها صندوق الأمم المتحدة للسكان وتديرها الجمعية الوطنية للقابلات لمعالجة حالات النواسير الولادية . فأحالت مروى إلى الجمعية. "لقد منحتني نعمة الأمل في أن استعيد حياتي الطبيعية. عرفت أنني لست الوحيدة التي تعاني من ناسور الولادة. قالت لي إن حالتي قابلة للعلاج ويمكن الخضوع لعملية جراحية للناسور في اليمن ". بعد تأكيد التشخيص ، اتصلت نعمة بالجمعية الوطنية للقابلات ووضعت مروى على قائمة الانتظار للخضوع للعملية الجراحية.

“كنت على اتصال مستمر مع الجمعية. ذات يوم اتصلوا بي وطلبوا مني السفر إلى صنعاء في غضون أسبوع ".

لم يكن سهلا الوصول إلى صنعاء من الحديدة. فهي رحلة لا يمكن أن تتحمل نفقاتها مروى. فقد أنفقت  من قبل كل مدخراتها في بحثها عن العلاج. إضافة، لعدم تلقيها أي دعم مالي من أسرتها أو طليقها. "لم أتمكن من اقتراض المال من أي شخص. الناس بالكاد يستطيعون تغطية نفقاتهم بسبب الحرب ".

برنامج الناسور الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان غطى جميع نفقات سفر مروى. في الطريق إلى صنعاء، رافقتها أختها لكي تعتني بها وبطفلها و كان لزاما مرافقة ابن عمهما ، لأن النساء غالبًا ما يحتجن إلى وصي ذكر "محرم" للسفر داخل البلاد.

وفي مركز الناسور الولادي في مستشفى الثورة  في صنعاء، وجدت مروى العديد من النساء الأخريات اللاتي يعانين من ناسور الولادة. بقيت في المستشفى لأكثر من أسبوع ، وخضعت لعملية جراحية ناجحة. بعدها ، عادت مروى إلى منزلها في الحديدة ولحياتها الطبيعية.

ولأول مرة منذ ولادته ، أصبحت مروى قادرة على احتضان طفلها والإقبال على الحياة بسعادة.  تقول مروى و الإبتسامة تعلو وجهها "لقد نسيت كل الألم الذي مررت به. لقد شعرت بالفرح والسعادة".