أنت هنا

23 كانون الأول/ديسمبر 2019

الأمم المتحدة ، نيويورك -  يطوي العالم عقدا آخر ويفتتح عقدا جديدا، لقد تعددت التحديات التي شغلت عالمنا في العقد الماضي، حيث بدأت تأثيرات تغيرالمناخ بتدميرمجتمعات وتشريد أعداد متزايدة من البشر في بقاع متعددة من هذا الكون. وباتت أزمة النزوح واللجوء أكثر حدة من ذي قبل لتساهم في التأثير والتغيير في التركيبة السكانية على نطاق لا يمكن تصوره، مما أسهم في حدوث اضطربات سياسية في كثير من مناطق العالم. وبينما تتقدم بسرعة فائقة تقنيات المعلومات وباتت تساهم بشكل متزايد في رفاهية المجتمعات والشعوب من خلال العالم الافتراضي الواسع، إلا ان هذه الثورة المعلوماتية استخدمت من قبل كثيرين في نشر التطرف وتضليل الوعي والتحريض على جماعات أو مجتمعات أو معتقدات مختلفة لتبدأ موجة خطيرة من الكراهية ورهاب الأجانب وقمع الأقليات.

لكن الصورة رغم سوداويتها في مجالات ومناح كثيرة إلا أن العالم حقق منجزات بشرية وتنموية ومكاسب هامة، وفيما يلي أربعة تغييرات هامة اتسم بها العقد الذي نقترب من طي صفحاته، ليس أقلها الاعتراف الدولي المتزايد باهمية تمكين النساء والفتيات ومنحهن مجالات أرحب للتعبير عن حقوقهن واحتياجاتهن ومزيدا من الخيارات.

 

 

Women are refusing to be silent about violence, harassment and discrimination. © UNFPA Jordan/Mohammad Abu Ghosh

 النساء يرفضن التزام الصمت حيال العنف والمضايقة والتمييز. © صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأردن / محمد أبو غوش

 

1. أصوات النساء تعلو أكثر من أي وقت مضى

لقد عانت النساء والفتيات من عدم المساواة والتمييز والعنف في صمت لقرون طويلة. وتعمد المتحكمون وصانعو القرار والنخب السياسية والمؤرخون والفنانون الرجال تهميش القضايا التي تهم وتؤثرعلى نصف سكان البسيطة. لكن السنوات العشر الأخيرة وفرت للنساء فضاءات أوسع للتعبير عن قضاياهن وهمومهن وحقوقهن التي ضمنتها كافة المواثيق والمعاهدات، لقد تعالت أصواتهن وتعززت قدراتهن على الحشد والتحرك وتبادل الأراء والأفكار والتجارب والمبادرات على نطاق أوسع من أي وقت مضى ، وتبلور عن التهميش وانكار الحقوق والتقليل من الإمكانات المحبوسة حركة عالمية رافضة وانتشر حماس غير مسبوق وحراك لا يهدأ.

فبين عامي 2010 و 2019 ، زاد مستخدمو شبكة الإنترنت بأكثر من الضعف ليصل إلى 4.1 مليار مستخدم وانتشرت شبكات التواصل الاجتماعي  مما وفر مساحات ومنابر للنساء على هذه الشبكات لتكون جبهات ضغط وحراك مهمة.

في عام 2017، كسرت ممثلات بارزات في هوليود-بمن فيهن آشلي جود، سفيرة النوايا الحسنة لصندوق الأمم المتحدة للسكان- بجرأة حاجز الصمت وتحدثن بكل شجاعة عن تجاربهن الشخصية مع التحرش الجنسي. لتعم العالم حركة "أنا أيضا" حيث استمع العالم بأسرة لملايين من الروايات لنساء وفتيات عن الاعتداء الجنسي والتمييز والاستغلال والتهميش، لتتعزز رياح التغيير وتتعمق موجات الإعتراف بأن منح النساء المساواة في عمليات صنع القرار وتمكينهن من كافة الوسائل لمواجهة العنف والاستغلال والتهميش بات أمرا لا مفر منه. وتمكنت النساء من تقلد المزيد والمزيد من المناصب السياسية في مختلف مستويات صنع القرار وفي المجالس التشريعية والشركات والمنظمات الدولية. صحيح أن العدالة الكاملة لم تتحق بعد، لكن هذا الحراك العالمي لم يعد يحركه فقط النساء وانما ينخرط المزيد من الرجال في دعمه وتأييده وهو تغيير بالغ الأهمية.

ولم يقتصر هذا الحوار المتزايد على الشبكات الاجتماعية ومواقع الانترنت فلقد صاحب ذلك دفعة هامة للحوارات المتعلقة بتمكين المرأة ومنحها حقوقها الكاملة ووقف كافة صنوف العنف والتمييز الممارس بحقها على أرض الواقع.

وتقول رحمة عبد الكريم من مركز نور الرحمة لحقوق الإنسان في العراق وهو أحد شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان: "إذا عدنا إلى الوراء 10 سنوات، لم تكن النساء في العراق صريحات عند الحديث عن العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف المنزلي." وتضيف إن الوعي المتزايد بين النساء بحقوقهن يدفعهن اليوم للسير قدما في تقرير مستقبلهن بأيديهن.

أما بيبانا نيبالي، الناشطة الشبابية في نيبال والتي تعمل مع صندوق الأمم المتحدة للسكان فتقول إن الناس يتحدثون بصراحة أكثر من أي وقت مضى عن العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة مثل زواج الأطفال، والتي كانت بمثابة مسائل حساسة أو مرفوض الخوض فيها في الماضي، لاعتبارات مجتمعية وثقافية مغلوطة وتضيف إن هذا مؤشر إيجابي عندما نتمكن من طرحها اليوم بصوت عالٍ، وهو ما يعني ان عملية إيجاد الحلول لتلك القضايا باتت موضع نقاش.

وتقول آشلي جود، سفيرة النوايا الحسنة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إن التناغم الفريد لأصوات النساء عالميا لا يقف عند معالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي فقط. بل بدأت تتعالى أصواتهن رافضة للوصمة التي تلاحق بعضهن عندما يرفضن العنف ويبلغن عنه ويطالبن بتحسين الوصول إلى مستلزمات النظافة الشخصية والحصول على بيانات أفضل عن قضايا صحة النساء المهملة منذ وقت طويل، مثل اكتئاب ما بعد الولادة واضطرابات أمراض النساء. وتضيف "إن عظمة هذه اللحظة أنه في نهاية الأمر بات العالم يستمع إلينا".

 

 

الدكتورة هند كمال: "كان الحديث عن تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل قبل بضع سنوات من المحرمات في العراق".

 

2. اتساع نطاق خيارات وسائل منع الحمل

لم يحظ الأزواج بهذا القدر من اختيارات وسائل منع الحمل الحديثة الموثوقة من قبل. ومنذ عام 2000، حدث تقدم غير مسبوق في تقنيات منع الحمل بسبب دخول أساليب حديثة مثل الحلقات المهبلية وعمليات الزرع والأجهزة القابلة للحقن واللصقات الجلدية إلى الأسواق. وتغيرت التفضيلات نظرًا لاتساع نطاق الخيارات.

على الصعيد العالمي، اكتسبت أساليب تنظيم الأسرة طويلة المفعول مكانة بارزة في حيث تراجع تعقيم النساء والرجال بشكل دائم.

"قبل عشر سنوات ، اعتادت النساء اللواتي لم يدعمن فكرة تنظيم دائم للأسرة على اللجوء إلى طرق قصيرة الأجل" ، قالت كالاوي شودري ، مستشارة تنظيم الأسرة في غرب نيبال لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "اليوم، تختار الكثير من النساء وسائل منع الحمل طويلة المفعول مثل اللولب الرحمي وهذا تغيير هائل."

وتستخدم عشرات الملايين من النساء وسائل منع الحمل الحديثة، خاصة في الأماكن التي لديها أعلى مستويات الحاجة. ومنذ عام 2012 ، زاد عدد مستخدمي وسائل منع الحمل الحديثة بمعدل 53 مليون في 69 دولة ذات الأولوية.

وتقول الدكتورة هند كمال ، طبيبة أمراض النساء في عيادة يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، "إن وصمة العار بشأن وسائل منع الحمل تتلاشى اليوم، حيث يأتي الأزواج والزوجات إلى عيادتنا للحصول على المشورة بشأن تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل بفضل التوعية المكثفة في المخيمات والمجتمعات."

وقالت الدكتورة نسرين أوراكل، رئيسة جمعية إرشاد الأسرة الأفغانية، التي تعمل على هذه القضايا منذ 30 عامًا، إن برامج تثقيف الناس حول تنظيم الأسرة تساعد في خفض معدلات وفيات الأمهات والأطفال في أماكن مثل أفغانستان. وتضيف: "من خلال تنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات، سيكون لدينا طفل وأم بصحة سليمة".

لا يزال أمامنا طريق طويل لنسلكه.

الخيارات لم تتسع بعد بشكل كاف. وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن هناك طريقة واحدة لمنع الحمل المستخدمة تمثل نصف أو أكثر من جميع وسائل منع الحمل الأخرى في حوالي خُمس الدول أو المناطق.

وبسبب أنماط النمو السكاني ، تضاءلت التحسينات الكلية في الاحتياجات غير الملباة لوسائل منع الحمل. ففي عام 2010 ، كان نحو 14.3 في المائة من النساء في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى وسائل منع الحمل الحديثة ؛ وفي عام 2019 ، وصل الرقم إلى 14.2 في المائة.

تستمر النساء في تحمل الجزء الأكبر من عبء تنظيم الأسرة. ولا تمثل الأساليب التي تتطلب مشاركه الرجل المباشرة سوي 27 في المائة من الممارسات العالمية لتنظيم الأسرة.

 

 

Adouia Brema is an electrician in Chad. © World Bank/Vincent Tremeau

أدويا بريما كهربائية في تشاد. © البنك الدولي / فنسنت تريميوا

 

3. الأدوار الاجتماعية أقل جمودا

ووفقا لمنظمة اليونسكو فقد شهد هذا العقد زيادة مستمرة في مستويات تعليم النساء والفتيات، حيث ارتفع المعدل العالمي للالتحاق بالمدارس الثانوية إلى 75 في المائة في عام 2018  مقارنة بـ 70 في المائة في عام 2010 . وبالنسبة للذكور فقد ارتفعت هذه النسبة من 72 إلى 76 في المائة. واستمرت معدلات الخصوبة في الانخفاض من 2.5 ولادة لكل إمرأة في عام 2010 إلى 2.4 في عام 2017، وقد صاحب هذه التغيرات ارتفاع في المكانة الاجتماعية للنساء والفتيات.

وقالت إعتماد رشيد حميد ، مديرة مركز إيمان القلوب المجتمعي للمرأة في العراق: "قبل عشر سنوات، لم تُعتبر الفتيات جديرات بمواصلة تعليمهن بل كن يُزوجن في سن مبكر. اليوم، أرى نساء حاصلات على شهادات جامعية ، يعملن وينجحن ويقدن. ويتم إعطاء الفتيات الصغيرات فرص النمو والتعلم."

وفي جميع أنحاء العالم ، تم تمكين المرأة لتولي أدوار كانت في يوم من الأيام بعيدة المنال. "مهم أن تعمل النساء ويكسبن المال حتى يتمكن من تلبية احتياجاتهن الخاصة والمساعدة في تغطية نفقات الأسرة" ، قالت أدويا برما، وهي خبيرة كهربائية في تشاد.

كما بدأ الاقتصاد النسائي في إعادة تشكيل فهم صناع السياسات لأدوار المرأة في العالم، لافتا الانتباه إلى الأعمال غير المدفوعة الأجر التي لا تزال تقوم بها النساء بصورة غير متناسبة.

وتسعى النساء بشكل متزايد إلى أن يصبحن صناع للسياسات بأنفسهن. ولا تزال النساء يتخلفن عن الرجال في المناصب المنتخبة حيث يمثلن أقل بقليل من ربع جميع البرلمانيين على سبيل المثال . وها هي النساء تخوض الانتخابات بمعدلات أعلى من أي وقت مضى.

"وبينما كان الرجال يقودون المبادرات قبل عشر سنوات ها هي النساء تدافع اليوم عن حقوقهن وعما يؤمن به." هكذا قالت زهراء طلال، مدافعة عن حقوق المرأة في مؤسسة العراق للتنمية الاقتصادية، في تصريح لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

 

Kalawati Chaudhary is a visiting service provider. She and her colleagues climb mountains to deliver family planning to women in western Nepal. © UNFPA Nepal

كالاوتي شودري هو مزود خدمة زائر. هي وزملاؤها يتسلقون الجبال لتقديم خدمات تنظيم الأسرة للنساء في غرب نيبال. © صندوق الأمم المتحدة للسكان- نيبال

 

 

4. الالتزام بالتغيير أكبر من أي وقت مضى:

بفضل تحسين جودة البيانات وحجمها، أصبح لدى العالم الآن رؤية أوضح للعواقب بعيدة المدى لعدم المساواة بين الجنسين، والعمل العاجل الذي لا يزال ينتظرنا. على سبيل المثال، حتى مع انخفاض معدلات زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان)، فإن النمو السكاني يعني أن عدد النساء والفتيات المتأثرات بهذه الممارسات سيزداد بالفعل ما لم يتم تسريع العمل على الحد منها والقضاء عليها.

هذا وبات لدينا فهم أفضل لما هو مطلوب لإحداث تغيير دائم، فقد حددت دراسة مشتركة جديدة التكلفة المالية لإنهاء الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة ووفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها والعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال العقد القادم ب 264 مليار دولار. ويتفق الجميع على أن هذا المبلغ ممكن نزفيره.

ولم يشهد العالم أبدًا تصميما أكبر على متابعة هذه الجهود، ففي نوفمبر 2019، اجتمع أكثر من 8300 مندوب من حوالي 170 دولة في قمة نيروبي بشأن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية لتقديم التزامات محددة وملموسة وقابلة للتنفيذ من أجل النهوض بالمساواة بين الجنسين وتأمين الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتم التعهد بأكثر من 1200 التزام ومليارات الدولارات.

لكن أعظم الإنجازات لا تزال تنتظرنا. سنبدأ العقد المقبل مع نساء وفتيات أقوى وأكثر جرأة من أي وقت مضى. وتلخص السيدة رحمة عبد الكريم من العراق ذلك بالقول: "لم نعد الجنس الأضعف".