أنت هنا

 

تقول أشيكيرو غور كالي التي تعافت من ناسور الولادة بعد 50 عامًا من معاناة لم تتوقف : "لم يكن لدي أي فكرة أن حالتى يمكن الشفاء منها". لقد عشت مع واحد من أكثر الكوابيس الطبية المهينة التي يمكن أن تعاني منها أي امرأة.

أتت السيدة كالي، وهي أم عزباء تبلغ من العمر الآن 70 سنة، من منطقة إلبور، على بعد حوالي 377 كيلومترًا من مقديشو، فى الصومال. وعندما كانت فى العشرين من عمرها وضعت طفلاً، وأصيبت بالناسور بعد ولادة متعسرة استمرت لثلاثة أيام. وبعد هذه المحنة لم تعد قادرة على التحكم في تدفق البول من جسدها.

تقول كالي: "لحسن الحظ، نجا المولود دون أي مضاعفات. لقد تمت الولادة فى المنزل حيث لم يكن هناك مرفق صحي في المنطقة". وأضافت بنبرة حزينة: "إعانيت من التبول اللاإرادي لخمسين عاماً خلت . لقد كنت منبوذة في مجتمعي، ولم يرغب الناس في التعامل معى بسبب الرائحة الكريهة الناتجة عن ذلك".

"ذات يوم، سمعت في الراديو أن النساء المصابات بناسور الولادة لديهن فرصة للحصول على عمليات تصحيح جراحية في مستشفى داينايل في مقديشو. أخبرت ابني بذلك والذي اتخذ على الفور كل الترتيبات لنقلي إلى المستشفى".

يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان قطاع الصحة في الصومال، بما في ذلك المؤسسات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية، لتشغيل ثلاثة مراكز رئيسية لعلاج الناسور في مقديشو وبونتلاند وأرض الصومال  للقضاء على ناسور الولادة في البلاد بحلول عام 2030.

ناسور الولادة يمكن الوقاية منه وتجنبه إلى حد كبير من خلال منع زواج الأطفال وحمل المراهقات، وترك الممارسات التقليدية الضارة، وضمان توفير خدمات الرعاية الولادة  الماهرة في كل حالات الولادة، وتوفير رعاية التوليد الطارئة عالية الجودة في الوقت المناسب لكل النساء والفتيات اللواتي يُصًبن بمضاعفات أثناء الولادة.

وذكر الدكتور محمد عبد الرحمن، كبير المستشارين الصحيين لهيئة أطباء عبر القارات (PAC) - إحدى الهيئات التي تجري جراحات علاج الناسور - أن نفس التأخيرات التي تسبب وفيات الأمهات هي أيضًا عامل خطر مسبب للناسور. ويكمن السبب الرئيسي وراء ذلك في عدم السعي للحصول على رعاية صحية جيدة في الوقت المناسب أثناء الولادة المتعسرة. ويرجع ذلك في بعض الأحيان إلى الأعراف الاجتماعية والحواجز الثقافية مثل التمسك بالاعتماد على قابلات تقليديات غير مؤهلات وضرورة طلب الإذن من الحماة والزوج للحصول على خدمات الرعاية الإنجابية.

تعيش نسبة كبيرة من الصوماليين في المناطق الريفية. وبعضهم من البدو الرحل الذين ليس لديهم مستوطنات سكن محددة ومستقرة ويتنقلون في مناطق يصعب الوصول إليها. لذا لا تستطيع الأمهات الحوامل منهم الوصول إلى المرافق الصحية في الوقت المناسب.

وذكر د. عبد الرحمن أن جودة الخدمات المقدمة في المرافق الصحية للدولة فقيرة. حيث يقول: "على الرغم من أن بعض المرافق ربما تكون مجهزة تجهيزاً كافياً، إلا أن مقدمي الرعاية الصحية بها مثقلون بالعمل فوق طاقتهم ولا يحصلون على رواتب منتظمة أو كافية فيما حافزهم للعمل قليل فيما المرافق الأخرى غير قادرة على العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بسبب نقص التمويل والإمدادات والعاملين".

وتعتقد الدكتورة مريم قاسم، الوزيرة السابقة للشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث في الحكومة الفيدرالية الصومالية وإحدى الداعيات إلى مكافحة الناسور، أن استمرار الناسور يعني ضمناً عدم الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وعدم كفاية استمرارية الرعاية أثناء الحمل، بما في ذلك رعاية ما قبل الولادة) والإدارة الأمنة لمضاعفات الحمل والولادة بواسطة قابلات ماهرات .

فوفقًا للمسح الصحي والديموغرافي الصومالي لعام 2020، فإن 32 بالمائة فقط من النساء اللواتي يلدن في الصومال قد تلقين المساعدة من مقدم رعاية صحية ماهر. وتؤكد الدكتورة مريم قاسم أن الصومال يمكن أن يقضي على الناسور إذا أتاح الوصول إلى خدمات صحة الأم والاستفادة منها أثناء الحمل لكل النساء في سن الإنجاب. حيث تقول: " الحاجة إلى معالجة مشكلة زواج الأطفال وتعليم الفتيات ومحو أميتهن، وتحسين الطلب على الرعاية الماهرة للولادة على المستوى الشعبي أمر بالغ الأهمية".

 

وأعربت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الفيدرالية عن التزامها بالقضاء على الناسور في الصومال. وعلى الرغم من أن عدد الناجيات من الناسور في الصومال غير معروف لعديد من الأسباب، إلا أن الشعور بالوصمة يعد السبب الرئيسي الذي يدفع العديد من النساء لعدم الإفصاح عن إصابتهن به. وتموت واحدة من كل 20 إمرأة في البلاد بسبب المضاعفات المرتبطة بالحمل.

وتمثل جائحة كوفيد-19 تهديدًا كبيرًا للمكاسب والتحسينات التي تحققت في الوصول إلى خدمات القبالة الجيدة وخدمات التوليد وحديثي الولادة، ليس فقط في الصومال ولكن في جميع أنحاء العالم. فقد تأثر الوصول إلى خدمات العلاج الجراحية بسبب حالات الإغلاق وعدم تمكن الأطباء الذين يأتون من الخارج لإجراء الجراحة من الوصول بسهولة إلى المرافق الصحية بسبب القيود التي فرضتها الجائحة.

وبحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن جائحة كوفيد-19 يمكن أن تؤدي إلى حدوث 13 مليون حالة زواج أطفال إضافية على مستوى العالم لم تكن لتحدث لولا ذلك بين عامي 2020 و 2030. كل هذه المسائل يمكن أن تؤثر على معدل حدوث ناسور الولادة.

حتى الآن، قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بصفته قائد الحملة العالمية للقضاء على ناسور الولادة، بتقديم الدعم المباشر لأكثر من 113000 عملية جراحية لعلاج الناسور للنساء والفتيات، كما دعمت الوكالات الشريكة آلاف العمليات الأخرى. تساعد هذه العلاجات على استعادة الناجيات الصحة والأمل والكرامة والحياة الكريمة.